ارتبط مفهوم التنمية السليم والصحيح بتنمية الاقتصاد بالشكل الحقيقي والإنسان نفسه من خلال تمليكه القدرات اللازمة على العمل والإنتاج، لذلك فإن كلاً من مفهومي التمويل والتنمية بمحتواهما الحديثة اقتربا أكثر من أي وقت مضى بالتعاريف الشرعية والإسلامية لهما. وعليه، إن علاقة التمويل الإسلامي بالتنمية الاقتصادية باتان أكثر وفاق وأوثق وأكثر التصاقاً بحكم التطورات التي طرأت على كلاً من المفهومين، وقد أدت مجموعة من التطورات النظرية وعملية كثيرة إلى دفع كلا المفهومين لتحقيق مقاربة عميقة مع الرأي والرؤية الشرعية والإسلامية لهما، فمن جهة باتت التنمية الاقتصادية تعتمد على الإنسان وتمليك القدرات والاقتصاد الحقيقي، ولذلك فهي بحاجة لأدوات للتمويل حقيقية موجهة ولتحقيق هذه الأغراض والأهداف المنشودة.
ومن جهة أخرى أصبح التمويل في مفهومه المعاصر اليوم يعني أنه تمويل موجه لتلبية احتياجات حقيقية للمجتمع، وهو قد أثبت أنه يمكن أن يتحول لمحفز وداعم لتحريك الاقتصاد، وهذا بالضبط ما يروح إليه النموذج الفكري للمصرفية الإسلامية. عندما جاءت الأزمة المالية العالمية عام 2008 وما نجم عنها من تداعيات شديدة وخطيرة على النظام المالي العالمي، وتأثر الكثير من المؤسسات المالية في المنطقة وما حولها بهذه الأزمة للتأكيد على سلامة المبادئ التي تقوم عليها الصناعة المالية الإسلامية كونها تمتلك عدة
التي تحقق لها الأمن والأمان وتقليل المخاطر مثل المصداقية، والأمانة والتكاتف، والشفافية والتيسير والتعاون والتضامن، فلا اقتصاد إسلامي بدون أخلاق ومثل ومبادئ. وتحقق هذه المنظومة مجموعة من الضمانات على وجه المثال، الاستقرار لكافة المتعاملين، وفي نفس الوقت تحرم الشريعة الإسلامية المعاملات المالية والاقتصادية التي يكون مبدأها الكذب والتدليس والغش، والمقامرة والغرر والجهالة والاحتكار والاستغلال والجشع والظلم. ومن المقومات الرئيسية لها، هي أن النظام المالي والاقتصادي الإسلامي قائم على قاعدة المشاركة في حالات الربح والخسارة وعلى التداول الفعلي للمال والموجودات، كما وحرمت الشريعة الإسلامية نظام المشتقات المالية والتي تقوم على معاملات وهمية يسودها الغرر والجهل، والتي واحدة من الأسباب الرئيسية للأزمة العالمية. والجميع يرى أن هذه المقومات أو المعايير تعطي ثقة أكبر في النظام المالي الإسلامي، وتزيد نسبة الإقبال على خدماته ومنتجاته كما هو واضح من معدلات نمو الصناعة المصرفية الإسلامية. كثير من الباحثين والكتاب الاقتصاديين يرون، أن الأزمة العالمية الراهنة تعد فرصة تاريخية للقطاع المالي الإسلامي حتى يثبت جدارته ونجاحه في مواجهة الأزمات، وأن يمثل ملاذاً آمنا لأصحاب رؤوس الأموال والاستثمارات العربية والإسلامية وغير الإسلامية.
لكن هنا لا يمكن الحديث عن عظم دور التمويل الإسلامي دون وجود اقتصاد إسلامي بالمعنى السليم والحقيقي المتعارف عليه أكاديمياً، فكل الاقتصاديات في كل دول العالم اليوم بالمعنى التقريبي، بما في ذلك اقتصاديات الدول الإسلامية، هي قائمة على مزيج من النظريات والفلسفات الاقتصادية، ويجب التفريق بين حجم منتجات تمويل للاقتصاد الإسلامي، وحجم الاقتصاد الإسلامي والذي يعني حجم القطاعات والأنشطة الاقتصادية التي تدار على أسس إسلامية سليمة وصحيحة.
وهذا الموضوع لا يعد ترف فكري كما يتراءى للبعض للوهلة الأولى، فالعلاقة المثلى التي يتم افتراضها بين التمويل الإسلامي والاقتصاد الإسلامي قائمة على تحقيق الكفاءة للجانبين وليس لجانب واحد.، وفي ظل غياب اقتصاد إسلامي غير واضح الملامح والآليات، فإن التمويل الإسلامي هنا قد يذهب للمنتوجات والمشاريع المتاحة والمفتوحة، والسؤال هنا، هل هذه الأنشطة هي الأكثر كفاءة أو قدرة على تعظيم الفائدة والمنفعة من التمويل الإسلامي من جهة وتعظيم الفائدة الاجتماعية من المنتوجات والمشاريع الممولة من جهة أخرى؟
الجواب بحسب اراء اقتصادية كثيرة أنه ليس بالضرورة الإيجاب طالما أن قطاعاً كبيراً من النشاطات والقطاعات بما فيها، في الدول الإسلامية لم تبلور بعد كيفية التقائها مع التمويل الإسلامي غير أنها ظلت تغرد خارج السرب، وهنا أيضا تقع المسؤولية على الحكومات ومؤسسات البحث الأكاديمية لتحديد معالم وملامح ومعايير الاقتصاد الإسلامي وآليات تلاقح التمويل الإسلامي مع الآليات والفرص المتاحة وفقا لقاعدة الأكثر منفعة اجتماعياً واقتصادياً مثل توفير الوظائف وعملية زيادة الإنتاج وتحسين بيئة العمل.
